الثلاثاء، 10 مارس 2015

إصلاح التعليم من أجل حياة أفضل

إصلاح التعليم من أجل حياة أفضل
المصدر: الأهرام الإقتصادى
بقلم: شريفة عبدالرحيم
بعد تراجع مركزها في معظم التصنيفات الدولية الخاصة بالتعليم وتفوق بلدان من آسيا عليها، تشعر دول غربية متقدمة مثل امريكا وبريطانيا بحاجتها إلي إصلاح نظام التعليم بها ايمانا منها بأهمية وخطورة قضية التعليم اقتصاديا ، سياسيا واجتماعيا، وذلك وكما يقول العارفون بثوابت الأمور يجب ان تكون الأولوية في اي أجندة هي إصلاح التعليم.
هل يفهم الأذكياء الدرس؟
يظل التعليم هو أصعب جزء من محاولات اصلاح القطاع العام. ومع ذلك هناك اهتمام متزايد من جانب حكومات العالم للمشروع في إصلاحه مع ظهور بعض التجارب الناجحة. من تورنتو إلي وارسو، ومن لندن إلي روما، كل عام في شهر سبتمبر وبعد العطلة الصيفية يعود التلاميذ والمدرسون إلي فصولهم. وهذا العام اكتشفت المدارس انها عالقة في معركة عالمية!
ففي كثير من البلدان يأتي التعليم في مقدمة الجدل السياسي. وبدافع تعزيز تنافسية الاداء الاقتصادي يسعي السياسيون لمحاكاة نماذج لممارسات ناجحة من جميع انحاء العالم.
- ولكن لماذا الآن؟احد اسباب الاهتمام الحالي بقضية التعليم هو القدرة علي قياس جودة التعليم وذلك بتوافر كم هائل من البيانات عن اداء البلدان المختلفة. ففي عام 2000 بدأ البرنامج الدولي لتقييم الطلبة والتابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقييم التحصيل الدراسي لمن هم في سن الخامسة عشرة في 32 دولة، والذي كشف عن مستوي جودة المدارس في هذه الدول. وفي نفس الاطار رصدت ماكينزي للاستشارات التجارب الناجحة في مجال إصلاح التعليم وتطويره خلال السنوات الاخيرة. هذه التجارب كشفت، علي سبيل المثال، الدور المهم الذي تلعبه التكنولوجيا في تعليم الاطفال.
والاهم حاليا هو تغيير مسار الجدل حول قضية التعليم بعد تراجع أهمية ما يمكن أن يسمي بـ"الأعذار الثلاثة الكبري للمدارس السيئة". فقد كان المفهوم السائد الذي روجت له نقابات المعلمين ان فشل التعليم الغربي يرجع إلي ضعف الانفاق الحكومي، وجود فروق في الطبقات الاجتماعية وثقافة عدم تقدير قيمة التعليم.
العذر الأول، وهو ان التعليم الجيد يعتمد علي إنفاق المال، تعرض لضربة قوية. فالعديد من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتمتع باقتصاد قومي ضاعفت انفاقها علي التعليم ( في بعض الحالات زاد الانفاق ثلاثة اضعاف، بين عامي 1970 و1994 ومع ذلك ظلت العملية التعليمية كما هي لم تتحسن بل وتراجعت احيانا في كثير من هذه البلدان وقد ظهر اختلاف الاداء التعليمي علي نطاق واسع حتي داخل البلد الواحد وفي بعض الاحيان بين البلدان التي يتساوي فيها نصيب التلميذ من الانفاق علي التعليم، فتعتبر امريكا من اكثر البلدان المتقدمة انفاقا علي التعليم، ومع ذلك، تتخلف عن غيرها في النتائج النهائية للتعليم الثانوي. ومما يؤكد نفي نظرية اعتماد جودة التعليم علي مستوي الانفاق، ما اشار اليه برنامج تقييم الطلبة الدولي "PTSA" او بيزا من ان حوالي 10% فقط من التباين في اداء التلاميذ يرتبط بحجم الانفاق.
وبالنسبة للعذر الثاني ويتعلق بتأثير الطبقة الاجتماعية علي الاداء التعليمي كان هناك رأي لأحد الخبراء البريطانيين بأن الفروق الاجتماعية هي السبب الرئيسي وراء انخفاض اداء التلاميذ وهو الرأي الذي ايدته دراسات علي مدي السنوات العشر الماضية والتي قام بها باحثون في جامعة أوكسفورد وتوصلت إلي ان التلاميذ الذين ينتمون إلي الطبقات الدنيا لا يحققون نتائج جيدة وهي المسألة التي اكدتها ايضا دراسة لجامعة واشنطن وقالت ان العوامل غير المدرسية مثل دخل الاسرة، تمثل ما يقرب من 60% من أداء الطفل في المدرسة. غير ان هناك نماذج اخري تنفي وجود علاقة بين الاداء التعليمي والمستوي الاجتماعي مثلا استراليا، تعاني من اتساع الفجوة الطبقية ومع ذلك احتلت المركز التاسع في تقييم "بيزا" أما الصين وهي أقل مجتمعات العالم مساواة فجاءت في المقدمة.
اما فيما يتعلق بالعذر الثالث وهو ثقافة عدم اعطاء قيمة للتعليم. فهي بالتأكيد عامل مؤثر بدليل ما يحدث في آسيا، العائلات الآسيوية تولي اهتماما أكبر من الغربية بنتائج اختبارات أبنائها وتحث المدارس علي النجاح مما ادي في النهاية إلي ان تحتل سنغافورة، هونج كونج، كوريا الجنوبية المراكز الاولي في تصنيف "ماكينزي" لاكثر بلدان العالم تقدما في تحسين مستوي الأداء التعليمي. ولكن بالرغم مما سبق، فثقافة تقدير التعليم ليست هي كل شيء وكثير من نظم التعليم الغربية يمكنها ان تصبح من بين الافضل علي الاطلاق عن طريق رفع مستوي اقل مدارس إلي مستوي الافضل لديها. وهكذا، اذا كان قد ثبت خطأ الاعذار الكبري للمدارس السيئة، فما أسرار النجاح اذا؟
رغم عدم وجود نموذج محدد للنجاح فهناك اربعة عوامل مهمة وهي: اللامركزية، بمعني تسليم السلطة مرة أخري إلي المدارس لتتمتع بالاستقلالية، التركيز والاهتمام بالاطفال ذوي التحصيل المنخفض، السماح بوجود انواع مختلفة من المدارس وتطبيق معايير عالية عند اختيار المدرسين. وهذه العناصر الاربعة يمكن ملاحظة تأثيرها الايجابي علي ارتفاع مستوي الأداء التعليمي في ثلاثة اماكن بشكل واضح وذلك وفقا لتقييم "ماكينزي"، وهي كندا، بولندا وألمانيا.
- دروس من كندا، بولندا:
في كندا مقاطعة اسمها أونتاريو، وبها نسبة عالية من المهاجرين وكثير منهم لغته الاولي ليست الانجليزية وهو ما يمثل صعوبة للأطفال في تحصيلهم الدراسي. ولكن منذ ان نفذت برنامج "الاصلاح بدون ضغينة" في عام 2003 اصبح لديها واحد من افضل نظم التعليم في العالم والذي اعتمد علي تشجيع الحكومة للمدارس علي تحديد اهداف خاصة بها وارسال فرق من ذوي الخبرة لمساعدتهم تطبيقا لمبدأ اللامركزية في الاصلاح التعليمي . فحرصت كل مدرسة علي المنافسة مع المدارس الاخري وإظهار تقدمها. وبالفعل حصل البرنامج علي تأييد ودعم شعبي كامل. هذه الجهود بالطبع كانت لها تكلفتها. فمنذ عام 2004 ارتفعت ميزانية التعليم في اونتاريو بنسبة 30%.
بولندا، مثل اونتاريو، طبقت اللامركزية في الاصلاح. وبالرغم من استمرار سيطرة البيروقراطيين الحكوميين علي التمويل والادارة لكن رؤساء المدارس لديهم حرية توظيف المعلمين واختيار المناهج من قائمة يوفرها القطاع الخاص. والان هناك رغبة شعبية قوية في ان يكون هناك في البلاد، اكسفورد أو هارفارد بولندية.
- الدروس الألمانية:
في أول دراسة لبرنامج "بيزا" عام 2000 جاء الالمان في مرتبة أقل بكثير من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في القراءة والكتابة وهو ما كان صدمة حقيقية للمسؤولين. وقتها اظهرت الدراسة علاقة قوية بين الوضع الاقتصادي وبين الأداء التعليمي في المانيا عن أية دولة أخري في المنظمة. ومن ثم انطلق سباق للإصلاح بين الولايات المختلفة وكانت المفاجأة ان قفزت "ساكسوني" التي تقع في المانيا الشرقية ـ سابقا ـ إلي المركز الخامس في تصنيف ماكينزي لافضل جهود للاصلاح التعليمي. والمدينة التي لا يزال يغلب عليها طابع الشيوعية يهيمن عليها ايضا نظام التعليم القديم، غير ان قائد الاصلاح فيها كان خبيرا المانيا عربيا وديمقراطيا، والذي يقول عن عملية اصلاح التعليم إنها تخلصت من الايديولوجية القديمة لكنها حافظت علي أفضل الجوانب في نظام التعليم الشرقي القديم.
أما بالنسبة لبريطانيا التي تشتهر بجامعاتها العريقة، فقد تراجعت في التصنيف العالمي لبرنامج "بيزا" في السنوات القليلة الماضية. مما دعا الي الحاجة للقيام بعملية اصلاح شاملة عن طريق دراسة مثل هذه النماذج الناجحة، وكما يقول مايكل جوف وزير التعليم فإن الدروس المستفادة من تقييم "بيزا" لعام 2009 هي أهمية الحكم الذاتي للمدارس وتطبيق معايير صارمة للمساءلة ورفع مكانة مهنة التدريس علاوة علي إحكام سيطرة الانضباط المدرسي.وفي اطار سعيها لتوفير المزيد من المدارس المختلفة توسعت الحكومة البريطانية في عدد الاكاديميات المستقلة (اختراع توني بلير) وسمحت بـ"المدارس الحرة" التي تدار من قبل الآباء والجماعات الخيرية والمحلية.ومع ذلك، فالسماح بأنواع جديدة من المدارس المستقلة لا يضمن نتائج افضل في جميع الاحوال، كما حدث في السويد التي ظلت لفترة في مراكز متدنية في التصنيفات الدولية. وقد نفذت الولايات المتحدة ايضا تجربة المدارس الخاصة بالتمويل التأجيري، بينما يبدي البعض شكوكه ازاء استثمار السياسيين لهذه المدارس واحتمال تخليهم عنها في حالة فشلهم. ولكن ورغم ذلك، بصفة عامة، فظهور مدارس التمويل التأجيري في الولايات المتحدة الامريكية ادي الي ديناميكية مجال من أصعب مجالات الإصلاح.
هذه المدارس تستهدف شرائح المجتمع الاكثر فقرا التي تفتقر الي الطموح. والسماح للقطاع الخاص بالتمويل التأجيري في التعليم استقطب هؤلاء المهتمين بالتعليم والذين لديهم موهبة الادارة لكنهم لا يطيقون البيروقراطية. وهكذا تكشف الدراسات الحديثة ان الابتكارات الهادفة وغير الهادفة للربح يمكن نجاحها وتنوع المدارس يساعد علي الوصول الي افضل طرق للتدريس حيث توفر حرية تحديد قواعد العمل بعيدا عن قيود السلطات المحلية ونقابات المعلمين واعطاء رؤساء المدارس الفرصة لتشكيل مدارس حسب احتياجات التلاميذ الخاصة.
- مفتاح النجاح:
من بين العوامل الرئيسية لإصلاح المدارس كان تنوع العرض هو الأكثر تأثيرا من نيويورك الي شنغهاي والدانمارك. المدارس الحرة التي لا تقع تحت سيطرة الحكومة والتي تديرها منظمات غير حكومية رفعت مستوي التعليم والي هذه اللحظة تبدو انها الأكثر نجاحا في الاماكن التي تلقي اهتماما حكوميا.
من الواضح ايضا أن التركيز علي تحسين نوعية المعلم هو سمة مشتركة بين جميع جوانب الاصلاح. دول مثل فنلندا وكوريا الجنوبية جعلت الحياة اسهل بتعيين النخبة فقط من الخريجين وتدفع لهم وفقا لذلك، وفي بريطانيا قرر وزير التعليم رفع الحد الادني لاجور المدرسين واعطاء مكافآت سخية في الفروع التي تعاني عجزا مثل العلوم واللغات. فإصلاح التعليم، التقدم في إعادة الهيكلة، تنويع المعروض من المدارس المستقلة، اعادة تنظيم المدارس القديمة، تطوير أساليب الامتحانات وغيرها من جهود الاصلاح يمكن أن يتم تنفيذه بسرعة ولكن تطوير المعلم يحتاج الي وقت طويل ومن ثم ينبغي أن تكون له الأولوية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق