السبت، 24 سبتمبر 2016

النظام التعليمي في فنلندا

التعليم في فنلندا هو نظام تعليمي لا يفرض رسومٍ دراسية على الطلاب المنتظمين كما يقدم لهم وجبات مدعومة كليا.

ويتكون نظام التعليم الفنلندي الحالي من برامج الرعاية اليومية (للأطفال الرضع والأطفال الصغار ) و برامج ما قبل الدراسة لمدة سنة (أو روضة للأطفال في سن الست سنوات) وبرامج المدرسة الشاملة الأساسية الإلزامية لمدة تسع سنوات (ابتداءاً من سن السابعة و حتى سن السادسة عشر من العمر ), و التعليم الثانوي بعد المرحلة الإلزامية الأكاديمية أو ما يعرف بالتعليم العالي (الجامعة و جامعة العلوم التطبيقية), و تعليم الكبار ( لمن أراد الاستمرار في التعلم). استندت الاستراتيجية الفنلندية لتحقيق المساواة و التميُز في التعليم على بناء نظام تعليمي شامل ممول من قبل القطاع العام أثناء التعليم الأساسي المشترك, ونشر شبكة المدارس كان جزء من الاستراتيجية حيث أن التلاميذ لديهم مدارس بالقرب من منازلهم إن أمكن ذلك, و إن لم يكن ذلك ممكناً على سبيل المثال في المناطق الريفية, يقومون بتوفير نقل مجاني إلى المدارس على نطاق واسع, و يكون التعليم الخاص شامل داخل الفصول الدراسية و يعمل نظام التعليم في الشمال على الحد من تدني الجهود التعليمية. يمكن للطلاب في سن السادسة عشر و بعد الانتهاء من دراستهم الأساسية لمدة تسع سنوات في المدرسة الشاملة إكمال دراستهم الثانوية إما في المسار الأكاديمي (lukio) أو في المسار المهني (ammattikoulu) وكلاهما عادة ما يستغرق ثلاث سنوات و يعطي مؤهل للإكمال في التعليم العالي. تنقسم نظم التعليم العالي إلى جامعات و علوم تطبيقية والمعروفة أيضاً بإسم"جامعة العلوم التطبيقية", تمنح الجامعات درجة الدكتوراه, في السابق كان بإمكان خريجي الجامعة فقط الحصول على درجات عالية (دراسات عليا) ولكن منذ تنفيذ عملية بولونيا يمكن أيضاً للحاصلين على درجة البكالوريوس التأهل للحصول على مزيد من الدراسات الأكاديمية, هناك سبعة عشر جامعة و سبعة و عشرين جامعة علوم تطبيقية في فنلندا. نشر مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة في عام 2008 أن فنلندا من بين أعلى المعدلات في العالم والتي تتعادل و لأول مرة مع الدنمارك و أستراليا و نيوزيلندا استنادا إلى بيانات مؤشر التعليم عام 2006, من سمات نجاح وزارة التربية و النظام التعليمي (التعليم الأساسي الموحد للفئة العمرية الواحدة) و المعلمون ذوو الكفاءة العالية والاستقلالية الممنوحة للمدارس. على الرغم من أن فنلندا في السنوات الأخيرة نزحت من المراتب الأولى, إلا أنه لديها مرتبة عالية باستمرار في دراسة البرنامج الدولي لتقييم الطلبة ""PISA التي تقارن النظم التعليمية الوطنية على الصعيد الدولي, في دراسة أجريت عام 2012 احتلت فنلندا المرتبة السادسة في القراءة, والثانية عشر في الرياضيات, و الخامسة في العلوم, بينما إذا نظرنا للوراء نجد أنه في دراسة أجريت عام 2003 احتلت فنلندا المرتبة الأولى في كل من العلوم و القراءة والثانية في الرياضيات وعلاوة على ذلك صنف التعليم العالي في فنلندا الأول في المنتدى الاقتصادي العالمي.

التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة

تعد مراكز العناية اليومية والحضانات ورياض الأطفال ذات الجودة العالية أمرا مهما جدًا لتنمية مهارات التعاون والتواصل لدى الأطفال الصغار مما يهيئهم للتعلم مدى الحياة, وكذلك لتعليمهم القراءة و الرياضيات, و تستمر هذه المرحلة التحضيرية حتى يبلغ الطفل سن السابعة. يركز التعليم الفنلندي في مرحلة الطفولة المبكرة على احترام فردية كل طفل وعلى توفير الفرصة لتطوير كل واحد منهم حتى يصبح شخصًا فريدًا من نوعه, و يعمل المربون الفنلنديون على توجيه الأطفال لتنمية المهارات الاجتماعية الاجتماعية و التفاعلية و تشجيعهم على الأخذ بعين الاعتبار احتياجات الآخرين و مصالحهم و الاهتمام به و أن يكون لهم موقف إيجابي اتجاه الناس الآخرين و الثقافات الأخرى و البيئات المختلفة. والغرض من توفير فرص تنمية الاستقلالية هو حتى يتمكن الطفل من الاعتناء بنفسه عندما يكبر ويكون قادرًا على اتخاذ قرارات صالحة و على المشاركة المثمرة كمواطن فعال في المجتمع وعلى رعاية الأشخاص الآخرين الذين سيحتاجون مساعدته. ولتعزيز ثقافة القراءة يعطى آباء الأطفال حديثي الولادة ثلاثة كتب, واحد لكل منهما و كتاب الطفل للمولود كجزء من حزمة الأمومة, و وفقاً لما قالته الفنلندية إيفا هوجالا المتخصصة في تطور الطفل أن "التعليم المبكر هي المرحلة الأولى و الأكثر أهمية للتعلم مدى الحياة", كما أظهرت الأبحاث العصبية أن 90% من نمو المخ يحدث خلال السنوات الخمس الأولى من الحياة و أن 85% من المسارات العصبية تتطور قبل بدء الدراسة (ملحوظة: في سن السابعة في فنلندا) والرعاية في هذا السياق هي مرادف للتربية و ينظر إليها على أنها مسعى تعاوني بين أولياء الأمور و المجتمع لإعداد الطفل جسدياً (تناول الطعام بطريقة صحيحة و بقاء الطفل نظيف) و عقلياً ( التواصل و الوعي الاجتماعي والتعاطف و التأمل الذاتي) قبل دخول التعليم الرسمي في سن السابعة, يفضل تعلم الطفل قبل سن السابعة من خلال اللعب, فبعد مرور الوقت و بدخولهم المدرسة, سيصبحون حريصين على التعلم. ومنذ عام 1990, وفرت فنلندا برنامج الرعاية النهارية مجانا للأطفال من سن ثمانية أشهر إلى خمس سنوات كما وفرت برنامج مرحلة ما قبل الدراسة (الروضة) للأطفال في سن السادسة في عام 1996. الرعاية النهارية تشمل كلاً من مراكز رعاية الأطفال لمدة يوم كامل والملاعب البلدية تحت إشراف شخص كبير بالغ حيث يمكن للوالدين مرافقة الطفل, و تدفع البلدية أيضاً مبلغ من المال للأمهات الراغبات في البقاء في المنزل وتوفير "رعاية نهارية منزلية" على مدى السنوات الثلاث الأولى، إذا كانت ترغب الأم بذلك. وفي بعض الحالات يتضمن ذلك زيارات مفاجئة من عامل الرعاية ليرى ما إذا كانت البيئة مناسبة للرعاية أم لا, نسبة البالغين إلى الأطفال في مراكز رعاية الأطفال البلدية المحلية (إما خاصة ولكن مدعومة من قبل البلديات المحلية أو مدفوعة من قبل البلديات بمساعدة من المنح المقدمة من الحكومة المركزية) هي للأطفال من العمر ثلاث سنوات وأقل: ثلاثة بالغين (مدرس واحد و ممرضتان) لكل 12 تلميذا أربعة تلاميذ لكل بالغ.
وبالنسبة للأطفال في سن 3-6: ثلاثة بالغين (مدرس واحد وممرضتين) لكل 20 طفلا (أو حوالي تلميذ لكل سبعة بالغين), يكون الدفع حسب دخل الأسرة شهريا و عادة ما يتراوح بين المجاني إلى 200 يورو كحد أقصى شهرياً, و وفقاً لما قالته بيبا أودينا عن هذه المراكز " أنت لا تدرس , أنت تعلِم ", يتعلم الأطفال عن طريق اللعب حيث يتم تطبيق هذه الفلسفة في جميع المدارس التي زرناها, و في كل ما يقوله الأساتذة و في كل ما يراه الطلاب.
التعليم المبكر للأطفال ليس إلزاميًا في فنلندا ولكن يستخدمه الجميع, أوضحت إيفا بينتيلا من قسم التعليم في هلسنكي أن "الرعاية النهارية والتعليم في مرحلة ما قبل المدرسة هو حق من حقوق الطفل, إنه ليس مكانًا لوضع طفلك فيه إذا كنت تعمل, بل إنه مكان ليقوم طفلك باللعب والتعلم و تكوين صداقات, و الآباء الجيدون هم من يقومون بوضع أطفالهم في مراكز الرعاية النهارية وهو أمر غير متعلق بالطبقة الاجتماعية الاقتصادية". قالت السيدة بينتلا أن التركيز في مرحلة رياض الأطفال هو على أن يتعلم الطفل كيف يتعلم, كما يوجد هناك دروس عن الطبيعة والحيوانات و دائرة الحياة و تركز على استخدام الخامات في التعليم بدلاً من استخدام الطريقة التقليدية في تعلم القراءة و الرياضيات .

التعليم الثانوي

يبدأ التعليم الثانوي من عمر 16 أو 17 سنة ويستمر إلى 3-4 سنوات, حيث قد يختار طلاب الثانوي الفنلنديين الخضوع للتدريب المهني سواء لتطوير الكفاءة المهنية و / أو لإعدادهم لمعهد التقنية أو لدخول المدرسة العليا التي تركز على الإعداد الأكاديمي للدراسات الجامعية و درجات الدراسات العليا في المجالات المهنية: مثل القانون والطب والعلوم والتعليم والعلوم الإنسانية, و يستند القبول في المدارس الأكاديمية العليا على المعدل التراكمي ""GPA، وفي بعض الحالات الاختبارات الأكاديمية والمقابلات, فعلى سبيل المثال, التحق 51٪ من الفئة العمرية في عام 2007 في المدارس العليا الأكاديمية. النظام غير ثابت حيث يمكن للطلاب الخريجين من المدارس المهنية التأهل لجامعة العلوم التطبيقية وفي التعليم الجامعي في بعض الحالات, كما يمكن لخريجي المدارس الثانوية الأكاديمية الانخراط في برامج التعليم المهني, كما من الممكن أيضا الحضور في كل من المدارس الثانوية المهنية والأكاديمية في نفس الوقت, كما أن التعليم الأكاديمي و المهني مجاني ويحق للطلاب الأكاديميين الرعاية الصحية المدرسية و وجبة غداء مجانية و لكن يجب عليهم شراء الكتب و المواد الخاصة بهم. يتلقى خريجي المدارس المهنية شهادة مدرسة مهنية بعد التخرج, و يتلقى خريجي المدارس الثانوية الأكاديمية العليا شهادة الثانوية العامة و يخضع الطلاب لاختبار وطني لشهادة الثانوية العامة, (في اللغة الفنلندية: Ylioppilastutkinto), و كان هذا في الأصل امتحان القبول لجامعة هلسنكي التي لديها المكانة العالية إلى يومنا هذا, كما يمكن للطلاب في برامج خاصة الحصول على شهادة مدرسة مهنية و أخذ اختبار القبول في الجامعة (kaksoistutkinto) أو كل من الشهادات الثلاث (kolmoistutkinto), يكمل ما يقارب من 83٪ من طلاب المدارس الأكاديمية العليا، أو 42٪ من الفئة العمرية، و إكمال اختبار القبول في الجامعة. تتطلب معاهد الفنون التطبيقية شهادة المدرسة للقبول، في حين أن اختبار القبول في الجامعة أكثر أهمية للقبول في الجامعات, ولكن بعض برامج التعليم العالي لديها امتحانات قبول خاصة بها، والكثير يستخدمون مزيجًا من الاثنين معا.

المعلمون

حتى يصبح المعلم مؤهلا لمنصبه سواء في مدارس المرحلة الابتدائية أو الثانوية يجب أن يكون حاصلًا على درجة الماجستير, فالتدريس مهنة جليلة و التنافس على الالتحاق ببرامج الجامعة التابعة للمسار التربوي شديد. فالمعلم المرتقب يجب أن تكون درجاته جيدة جدا وعليه أن يكافح من أجل أن يصبح معلماً, وجدير بالذكر أن حوالي 10٪ فقط من المتقدمين لبرامج معينة يعتبرون ناجحين, ويعزى ارتفاع مستوى الأداء في مجال التدريس وازدياد عدد طلبات التقديم على الوظائف في هذا المجال إلى الإجلال الذي تحظى به هذا المهنة من جهة و الى الرواتب المرتفعة التي قد تفوق معدل المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتنمية OECD) ( من جهة أخرى, والذي ينعكس على نوعية المعلمين في فنلندا.
المصدر : 
https://goo.gl/MxEqkc

الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

الجودة في التعليم ، مفهومها ، معاييرها ، و آلياتها

 لقد بات إصلاح منظومة التربية و التكوين من القضايا الرئيسية التي تؤرق بال المسؤولين الحكوميين في شتى أنحاء المعمور إيمانا منهم بأن تكوين الرأسمال البشري يعد الدعامة الأساسية لكل نهضة اقتصادية و اجتماعية و تنمية مجتمعية مستدامة. وقد ترجم هذا في تبني العديد من المقاربات و تجريب الكثير من وصفات الإصلاح، قصد الوصول بالتعليم إلى أعلى المستويات وانعكاس ذلك على جودة التكوين والتأهيل للموارد البشرية لتمكينها من الاندماج في محيط عالمي يتميز بالتنافسية في جميع المجالات و مواكبة التطورات و التحولات التي  يشهدها العصر مع تنامي اقتصاديات المعرفة  و تحديات العولمة.
غير أن إصلاح التعليم يحتاج إلى نظرة شمولية تهم كافة الجوانب والمجالات، نظرة تتجاوز المقاربات التجزيئية و الحلول الترقيعية و تتعدى البعد الكمي. فالإصلاح يجب أن يكون شموليا و مبنيا على النوعية و الجودة في مختلف مكونات المنظومة التربوية.  لهذا اختارت بعض الدول الرائدة في مجال التعليم اعتماد نظام الجودة في إصلاح منظوماتها التربوية، نظام أبان عن نجاعته و فعاليته في تحقيق النتائج المرجوة. فما هي إذن معايير الجودة في التعليم ؟ وما هي آليات تحقيق الجودة في إصلاح التعليم ؟
في هذا المقال سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، كما سنعرض بشكل مختصر أهم معالم التجربة الفنلندية، باعتبارها إحدى أهم التجارب العالمية في مجال تحقيق الجودة في التعليم.

1- مفهوم الجودة، آلياتها و معاييرها

أولا-  مفهوم الجودة

أ- تعريف

الجودة هي نظام إداري يرتكز على مجموعة من القيم و يعتمد على توظيف البيانات و المعلومات الخاصة بالعاملين قصد  استثمار مؤهلاتهم و قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي قصد تحقيق التحسن المستمر للمؤسسة.
وتشير الجودة في المجال التربوي إلى مجموعة من المعايير و الإجراءات يهدف تنفيذها إلى التحسين المستمر في المنتوج التعليمي، وتشير كذلك إلى المواصفات و الخصائص المتوقعة في هذا المنتوج و في العمليات و الأنشطة التي تتحقق من خلالها تلك المواصفات مع توفر أدوات و أساليب متكاملة تساعد المؤسسات التعليمية على تحقيق نتائج مرضية .

ب- ظهور المفهوم

ظهر مفهوم الجودة QUALITY  في ثمانينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية مع ارتفاع وتيرة التنافس الاقتصادي العالمي و غزو الصناعة اليابانية للأسواق العالمية. فالجودة مفهوم مقاولاتي بالأساس، يرتبط بالإنتاجية و المردودية و انتقل إلى مجال التعليم على اعتبار أن المؤسسة التعليمية هي مؤسسة لإنتاج الكفاءات و الخبرات القادرة على الابتكار و الإبداع و اللذان بدونهما لا يمكن للمقاولات الصناعية أن تطور إنتاجها و تحسن من منتوجها.

ثانيا-  معايير الجودة في التعليم   

     تختلف معايير الجودة باختلاف المجالات التي تطبقها وتبعا لأنظمة التقييم التي تراقبها، إلا أنها تلتقي جميعها في كثير من المواصفات و المقاييس التي تستند إلى مبادئ و مرتكزات أساسية تهتم كلها بجودة المنتوج النهائي مرورا بمختلف مراحل الإنتاج. والجودة في التعليم لا تخرج عن هذا الإطار إذ تهتم بمواصفات الخريجين من المدارس و نتائج تحصيلهم الدراسي عبر مختلف المراحل و العمليات و كذا القدرة على تجاوز كل المشاكل و المعيقات التي قد تعترض مسارهم عملا بمبدأ الوقاية خير من العلاج. و هذه بعض معايير الجودة في التعليم حسب بعض الدراسات الأكاديمية و البحوث العلمية المهتمة بالموضوع، على أن نعود لنتناولها بالتفصيل في معرض حديثنا عن التجربة الفنلندية:                                                                                                                              
  •      جودة المناهج والمقررات الدراسية.
  •      جودة البنية التحتية.
  •      كفاءة الأطر التربوية و الإدارية.
  •       جودة التكوين الأساسي و المستمر.
  •      التدبير الأمثل للموارد البشرية و المالية.
  •       الانطباع الإيجابي للمستفيدين من خدمات المدرسة.
  •       التحسين المستمر.
  •       نتائج التحصيل الدراسي.

ثالثا-  آليات تحقيق الجودة في إصلاح التعليم

رافق التفكير في الجودة اقتراح مجموعة من الآليات و الدعامات التي من شأنها تحسين وضع المنظومة التربوية و تجاوز مختلف العوائق التي جعلت مستوى التعليم في بلداننا العربية متدنيا. لذا فإن أي إصلاح يجب أن ينطلق من المداخل التالية:
  •    تغيير المناهج و البرامج التربوية: في هذا الصدد يجب العمل على اعتماد استراتيجية جديدة في بناء المقررات تقوم على الكفايات عوض الأهداف و على الكيف عوض الكم و على التعدد و التنوع عوض الأحادية.
  •    تحسين العرض التربوي في المدن و القرى: عملا بمبدأ تكافؤ الفرص يجب توسيع العرض التربوي و تجويده في القرى كما في المدن لإتاحة الفرصة للجميع من أجل إتمام الدراسة في أحسن الظروف، و هنا وجب الاهتمام أكثر بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية و مدها بكل الوسائل و الإمكانيات لتؤدي الأدوار المنوطة بها و تقدم خدمات ذات جودة معتبرة.
  •    العناية بالموارد البشرية: اعتبارا للدور الطلائعي للمورد البشري في الارتقاء بمستوى المنظومة التربوية فلابد من الاهتمام بالأطر العاملة بالقطاع سواء على المستوى المادي و ظروف العمل أو على مستوى التكوين الأساسي و المستمر.
  •    الحكامة و اللامركزية على مستوى التدبير و التسيير: وذلك عبر إرساء آليات الحكامة الجيدة و ترسيخ سياسة اللامركزية و اللاتركيز و التي ترمي إلى تقاسم المهام و اعتماد سياسة القرب و تكييف التوجيهات و السياسات التربوية مع خصوصيات كل منطقة.
  •    التمويل الكافي و ترشيد النفقات: إن أي مشروع للإصلاح يروم التحسين و التطوير يحتاج إلى تمويل كاف لتحقيق المبتغى لكن هذا لا يعني صرف أموال طائلة في أمور لا طائل منها، إذ أن الجودة لا تقاس بقيمة المبالغ و الأموال المرصودة للمشروع و إنما بما يمكن تحقيقه من نتائج على أرض الواقع بأقل التكاليف.
  •    الاستفادة من الخبرات الأجنبية: نظرا لعالمية نظام الجودة بات لزاما الاستعانة بالتجارب و الخبرات الأجنبية، خصوصا من الدول الرائدة و السباقة لتبني هذه المقاربة مع الحرص على القيام بدراسات سوسيولوجية و تاريخية كافية قبل إدخال أي تعديلات على المنظومة التربوية و ذلك لضمان توافقها مع مبادئ نظام الجودة.

2-  الجودة في التعليم من خلال التجربة الفنلندية

التعليم في فنلندا
لقد أصبحت فنلندا تحتل مركز الصدارة في مجال التعليم حسب نظام التقييم الدولي و استطاعت تحقيق نتائج باهرة تجعل المتتبع للشأن التربوي يقف مذهولا أمام إنجازات هذه التجربة الفريدة و التي تعد نموذجا في تبني نظام الجودة في التعليم . فما هي أسرار نجاح التجربة الفنلندية؟
ما من شك فيه أن الجميع أصبح واعيا بمحورية المتعلم في العملية التعليمية التعلمية و مكانته في المنظومة التربوية، لكن الوعي بهذا المعطى لحد ذاته لا يكفي للنهوض بقطاع التربية و التكوين. و لقد اختار النظام التربوي في فنلندا أن يعطي الأولوية المطلقة للمتعلم في كل مجالات الإصلاح انطلاقا من مبادئ احترام الفرد و صيانة حقوقه خصوصا حقه في تعليم ذو جودة مبني على أساس تكافؤ الفرص. و لعل شعار ̋ أن كل تلميذ يعتبر مهما ̏ خير دليل على الأهمية القصوى التي منحت لكل فرد من أفراد المجتمع في هذا البلد الذي يعتبر الإنسان مصدر ثروته الأولى.
و هذه بعض مميزات النموذج الفنلندي لتطبيق نظام الجودة في التعليم :
  • بنية تحتية مساعدة و محفزة: تعتبر المدرسة في فنلندا فضاء للحياة يحس فيه المتعلم أنه مرحب به، فضاء واسع حيث تناهز مساحة القسم الدراسي فيه 65 مترا مربعا، كما تشتمل المدرسة على أماكن متعددة ومختلفة للاستراحة و مرافق أخرى كالمكتبات و الخزانات و الملاعب الرياضية و قاعات الأنشطة و المسارح تتميز كلها بمستوى عال من النظافة و مهيأة بشكل جيد لاحتضان أنشطة المتعلمين .
  • احترام خصوصيات كل طفل: يعطي النظام التربوي الفنلندي الأولوية للمتعلم فيحترم إيقاع تعلمه خصوصا في المستويات الدنيا حيث يتم التركيز على تطوير المهارات عبر أنشطة يدوية أو فنية أو رياضية يعتمد فيها بشكل أساسي على بيداغوجيا اللعب نظرا لميل المتعلم في هذه المرحلة إلى اللعب و التسلية حتى أثناء تعلمه. كما يتم الإنصات الدائم لحاجات المتعلمين و الرصد المبكر لتعثراتهم الدراسية  قصد المساعدة على تجاوزها في حينها .
  • أقسام مخففة: قد يتفاجأ البعض ببعض المعطيات عن النظام التعليمي الفنلندي خصوصا إذا قارنها بالواقع التعليمي في بلاده. حيث يبلغ عدد التلاميذ في القسم الفنلندي 25 تلميذا على الأكثر، يتم تقسيمهم أحيانا إلى أفواج من 6 أو 7 تلاميذ يؤطرهم مدرس رئيسي و آخر مساعد. و في رياض الأطفال لا يتعدى عددهم في كل قسم 12 طفلا تسهر عليهم ثلاث مربيات و مساعدة واحدة.
  • طرق بيداغوجية حديثة: إن منطق التعلم في فنلندا يقوم بالأساس على مبدأ مساعدة المتعلم على التعلم و يقتصر دور المدرس على التنظيم و المساعدة بعيدا عن الإلقاء و الحشو. فالمتعلم يتمتع باستقلالية واسعة تمكنه من اختيار الوحدات الدراسية التي يرغب بها و بناء المنهاج الدراسي الخاص به و المساهمة في عملية التخطيط.
  • نظام تقويم مرن و محفز: لا يعتمد نظام التقويم في فنلندا على النقطة العددية الجزائية لتمييز المتعلمين – خصوصا الفئات العمرية الصغيرة – و اتخاذ قرار بالنجاح أو الرسوب. فالقانون يمنع التكرار إلا في حالات استثنائية بعد موافقة المعني بالأمر و أسرته. وهكذا تتاح الفرصة لكل متعلم أن يتحسن تبعا لإمكاناته الذاتية وإيقاعه الخاص. و حتى عندما يشرع في التنقيط بدءا من سن الثالثة عشر فإن التلميذ ينقط من 4 إلى 10، و يمنع منحه الصفر  حتى لا يشعر بالإحباط و الفشل. فالمهم هو تثمين المكتسبات عند المتعلم و تشجيعه على التعلم الذاتي بدل إبراز نقائصه.
  • تدقيق شروط ولوج المهنة: تعد مهنة التعليم في فنلندا من أرقى المهن و أعلاها شأنا لما توليه الدولة و المجتمع لها من أهمية، فلا غرابة من تشديد إجراءات انتقاء المدرسين و الإلحاح على ضرورة التوفر على مجموعة من الشروط و المواصفات، في مقدمتها الإلمام بعوالم الطفل النفسية و حب المهنة .
  • تكوين يستجيب لحاجيات المدرسين: بعد عملية الانتقاء يستفيد المترشحون لمهنة التدريس من تكوين أساسي يجمع بين ما هو نظري و ما هو عملي تطبيقي من خلال إنجاز تداريب في مدارس تطبيقية خاصة. و بالإضافة للتكوين الأساس، يشارك المدرسون في دورات تأهيلية منتظمة للتكوين المستمر قصد تجديد مؤهلاتهم و تطوير قدراتهم المهنية.
  • وسائل مادية رهن الإشارة: يتم تجهيز المدارس بكل الوسائل الضرورية لإنجاز الأنشطة التعليمية التعلمية فتجد مثلا في القسم العادي: مسلاطا و حاسوبا و تلفازا و أقراصا مدمجة إضافة إلى كتب و مراجع عديدة متوفرة بما يكفي لمشاركة كل متعلم في عملية بناء التعلمات.
  • العلاقات الإنسانية في المدرسة: يسود جو من الاحترام المتبادل بين المدرسين و الإداريين و التلاميذ يطبعه وعي بالحقوق و الواجبات تغلب عليه روح التعاون والتآزر و استعداد كل طرف لمساعدة الأطراف الأخرى، مما يخلق شعورا لدى المتعلمين بالاطمئنان و الرضا عن جودة فضائهم المدرسي. فالمدرسة ليست فقط فضاء مجهزا بالوسائل و التجهيزات لاكتساب المعارف و المهارات و إنما هي كذلك وسط للعلاقات الإنسانية النبيلة تؤثر في بناء شخصية المتعلم لتكسبه قيم الاحترام و التسامح و التعاون و التكافل .
  • استقلالية المؤسسات التعليمية و تقييم أدائها: يخول النظام التربوي في فنلندا للمؤسسات التعليمية مستوى متقدما جدا في استقلالية تدبير شؤونها و منحها كافة الصلاحيات الإدارية و المالية، و عهد إليها تكييف المناهج التعليمية مع حاجيات متعلميها و خصوصيات منطقتهم. لكن في نفس الوقت أخضعها لنظام تقييم أدائها بشكل دوري و مستمر من خلال  تعبئة استمارات عبر شبكة الإنترنت من طرف التلاميذ  وأولياء أمورهم للتعبير عن مدى رضاهم عن جودة الخدمات التي يستفيدون منها في مؤسستهم.
للتعرف عن قرب على التجربة الفنلندية في التعليم، نقترح عليكم مشاهدة الفيديو التالي:
ملاحظة: إذا لم تظهر الترجمة بشكل تلقائي إضغط على CC في زاوية الفيديو ثم إختر اللغة العربية.
يمكن القول أن الجودة فلسفة و مقاربة في تدبير و قيادة وحدات التربية و أنظمتها، فلسفة تنبني على مجموعة من القيم و المبادئ التي توظف المقاربة النسقية و الأدوات الإحصائية بهدف التحسين المستمر لقدرة منظومة معينة على الاستجابة لحاجات المستفيدين منها الآنية و المستقبلية؛ و لعل التجربة الفنلندية أتبتت بالملموس نجاح هذه المقاربة التي يجب الاستفادة منها قبل التفكير في أي مشروع لإصلاح التعليم .


المراجع :
  • عبد الكريم غريب و آخرون،  مجلة عالم التربية،  2013        
  • المهندس أمجد قاسم، الجودة الشاملة في التعليم تعريفها و اهميتها و مبادئها و أهدافها، موقع منتدى كلية الحقوق، جامعة المنصورة. 14 \07\2012